منذ فجر التاريخ والإنسان في صراع فكري دائم , يبحث
بمقتضى فطرته , وطبيعة وجوده , عن خالقه وموجده , وعن
الحقيقة وما وراءها , والحياة وأسرارها , والأكوان وحكمة
وجودها , والمادة وأصلها , والروح وكنُهها .
وكم حاول _ ولا يزال يحاول _ معرفة سر الحياة , وإدراك لغز
الكون , وحقيقة خالق الوجود.
وطالما تصور الإنساس الخالق بصور شتى تناسب ذوقه
وعقليته.. وتعالى الله عما نقول علواً كبيراً . وهكذا يخلو
الإنسان إلى نفسه ,
يسألها وتسأله , ويحاورها وتحاوره : أين راح ملايين البشر
الذين كانوا قبلنا ؟ وأي جديد نراه إذا نظرنا إلى الماضي
البعيد؟ وكم ترددت هذه الكلمات : ما هذه الحياة ؟ وما الغرض
من هذا الوجود ؟ وأين كان الانسان قبل الآن ؟ وإلى أين
المصير ؟ لا يدري الإنسان من أين وأتى , ولا إلى أين يسير .
وطالما تاقت نفسه إلى معرفة خالقه وموجده ,ليتحبب إليه ,
ويتقرب منه , ويُقبل عليه , لأنه يُحس حاجته إليه , كما يُحس
الطفل حاجته إلى ثدي أمه , ويستشعر الحاجه إلى حماية خالقه
, حيث لا أمل له إلا فيه : ليجد الاستقرار بجانبه , وحتى لا
يعيش بين الظلام والضباب , والوهم والخيال . وقد رأى أن
الحياة كعجلة تدور , ولابد أن تأخذ دورتها كاملة حتى نهاية
الحياة . فإذا بحث الإنسان فيما وراء الأكوان تخبّط في دياجير
الظنون والأوهام !! . عند هذا لا يجد بُداً من أن يدع الحياة إلى
بارئها , والأكوان إلى خالقها , فما جئنا إلى الحياة برغبتنا ,
ولن نتركها بإرادتنا
وتعالى معي _ سيدي القارئ _ بفكرك وعقلك , لنقف على
شاطئ الحياة ملياً , ونفهم بعض أسرارها سوياً , فسنرى _
حين ننظر إلى الأطفال _ أننا كنا أطفالا , وسنعلم _ حين ننظر
إلى الأموات _ أنه لابد يوماً ان نكون أمواتاً , طال العمر أم
قصر !!, وكذلك نعلم أن من مات اليوم كمن مات منذ آلاف
السنين , وأن الشباب لن يعود , والموتى لا يرجعون ..
والإنسان يقف أمام ذلك عاجزاً عن دفع الضر عن نفسه , لا
يمكنه أن يتحكم في دقات قلبه , ولا في حركات أنفاسه , ومهما
دق فكره , وقوى جسمه , وارتقى عقله فإنه يجد نفسه مقهوراً
لقوة عُليا . إنها قوة ليس وراءها قوة , إنها قوة عاقلة مدبرة ,
سرمدية مبدعة , قاهرة أزلية , قادرة أبديه , مسيطرة على كل
شئ , ولا يسيطر عليها شئ , فلابد من الخضوع لها . حينذاك
يتطلع الإنسان من ثنايا ضعفه وعجزه إلى تلك القدرة القُدسية
المدبرة , فيعتصم بها , ويفئ إلى ظلها .. وهكذا يهديه تفكيره
, وتقوده فطرته إلى الالتجاء إلى خالق الوجود , الذي تنطق
الموجودات بوجوده , وتؤكد وحدانيته , وتشهد أنه لولاه ما
كانت هذه الكائنات . ومن هنا يتقرب الإنسان إليه , ويقبل عليه
, لأنه _ سبحانه _ ملاذ النفس , وملجأ القلب , فيجد عنده
القوة والنصر , والراحة والأمان , والأمن من الحيرة والضلال
, والفصل بين الحقيقة والخيال , فكل من في الوجود منه ,
وإليه يعود .. والإيمان بالخالق ذخيرة من القوة , تمد البشرية
بزاد صالح , لا تستمده من غير هذا الطريق , فإن وجود خالق
الوجود واضح , وتوضيح الواضح إشكال , وإنكار الواقع عمى
وضلال
هنالك يطمئن الإنسان ويخلد إلى السكينة والأمان , في جنبات
رحابه , وحظيرة أنواره : يُهرع إليه إذا أصابه هم أو ألمّ به
مكروه , ويفزع إليه بالتضرع والدعاء , والدموع والبكاء , لأن
الدعاء وصلة بين الداعين وخالقهم , ورابطة بين الناس
ورازقهم
" قل ما يعبأ بكم ربي لولا دُعائكم "
وصدقني ياسيدي _ ولا إخالُك إلا مُصدقي _ أن أعجز الناس
من عجز عن الدعاء والتضرع إلى بارئ هذه الكائنات , وكيف
لا يكون ذلك والخالق يقول : " ادعوني أستجب لكم " , ويقول
سبحانه : " ..فإني قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان " ؟ والله
لا يريد من خلقه إلا أن يعبدوه " وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون " , ولن يعبدوه إلا إذا عرفوه , ولن يعرفوه إلا إذا
ذكروه
وقد سهل لنا طريق ذلك بقوله سبحانه وتعالى : " ولله الأس
ماء الحسنى فادعوه بها " أي سبحوه واذكروه واعبدوه بها ,
كي نرقى في ذلك إلى أسمى غاية , ونشرب من رحيق المعرفة
الكفاية , والرسول الكريم يقول : " إن لله تسعة وتسعين
اسماً و من أحصاها دخل الجنة " . ومعنى أحصاها : حفظها ,
ووعاها , وعدها , ودعا بها , وكرر تلاوتها متخلقاً بها , عالماً
بمعناها .. والله _ سبحانه _ سمى نفسه بما سماها , وجمي
ع الأسماء إلى ربك منتهاها . وأسماء الله تعالى توقيفية ,
وليست قياسية , والأسماء هي صفاته العليا و وليست ذاته ,
فليس في طاقة إنسان أن يتعرض للحديث عن ذات الله , لصو
ر العقل البشري عن إدراك كُنهها , ولهذا كُلفنا بما في طاقتنا
من تنزيه الأسماء , قال تعالى : " فسبح باسم ربك العظيم "
و " سبح اسم ربك الأعلى " . ونُهينا عن التفكر في ذات الله
وصُرفنا إلى التفكير في خلقه .. قال صلى الله علية وسلم : "
تفكّروا في خلق الله , ولا تتفكّروا في ذاته فتهلكوا" .
سبحانه
فانظر_ رعاك الله _ إذا حصل لك قبض ماذا تصنع ؟ تقول
: ياباسط اصرف عني ما أنا فيه . وإذا كنت عاصيا تقول
ياتواب تب علي . وإذا كنت مريضا تقول : ياشافي اشفني وإذا كنت ضعيفا تقول : ياقوي قوّني . وإذا كنت ضالا تقول : ياهادي اهدني . وإذا عطشت طلبت الماء ممن أنزله من السماء
أختكم في الله هبه
كلام اكثر من رائع